الركن الرابع من أركان الصلاة.. قراءة الفاتحة
أركان الصلاة (5)
الحمد لله فاتح أبواب المقال، ومانح أسباب النوال، وملهم جواب السؤال، أحمده سبحانه وتعالى حمدًا يستغرق البكر والآصال، حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً أشهد بها مع الشاهدين، وأدخرها عند الله عُدة ليوم الدين.
وأشهد أن محمدًا عبده المصطفى، ونبيه المرتضى، ورسوله الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، أشرف البرية حسبًا، وأطهرهم نسبًا صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وأصحابه الذين سادوا الخليقة عجمًا وعربًا.
أما بعد:
أولاً: حكم قراءة الفاتحة في الصلاة:
قراءة سورة الفاتحة واجبة في كل ركعة من ركعات الصلاة على المصلي إمامًا أو مأمومًا، وسواء كانت الصلاة جهرية أو سرية، فرض أو نفل.
ومن فاتته قراءة الفاتحة في الصلاة، وذلك كمن دخل الصلاة أثناء ركوع الإمام أو رفعه من الركوع، أو أثناء سجوده فلا تجب عليه قراءة الفاتحة؛ لتحمل الإمام لها عنه.
قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: فواجبٌ على من صلى منفردًا، أو إمامًا أن يقرأ بأم القرآن في كل ركعة لا يجزيه غيرها، وأحب أن يقرأ معها شيئًا، آية أو أكثر.
وقال: وإنْ تَركَ من أم القرآن حرفًا واحدًا ناسيًا أو ساهيًا: لم يعتد بتلك الركعة؛ لأن من ترك منها حرفًا لا يقال له قرأ أم القرآن على الكمال[1].
وإن تركها المصلي ناسيًا: فلا يجزيه ذلك؛ لأن ما كان ركنًا من الصلاة لم يسقط فرضه بالنسيان، كالركوع والسجود[2].
ثانيًا: الدليل على وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة:
1- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ"[3] متفق عليه.
2- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ" ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ. فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: "اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ"؛ فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 1]، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7] قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ"[4].
قال ابن المنذر - رحمه الله -: فدل الحديث على أن معنى قوله: "فهي خداج": أنه النقص الذي لا تجزئ الصلاة معه، لا النقص الذي يجوز معه الصلاة[5].
3- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قال: "أَمَرَنَا نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ"[6].
4- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ يُنَادِي فِي النَّاسِ: أَنْ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَمَا زَادَ"[7].
5- وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: "تَقْرَؤونَ؟" قُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِهَا"[8].
ثالثاً: وجه الدلالة من الأحاديث:
قال الصنعاني - رحمه الله -: أن ما سبق من أحاديث دليل على نفي الصلاة الشرعية إذا لم يقرأ فيها المصلي بالفاتحة؛ لأن الصلاة مركبة من أقوال وأفعال، والمركب ينتفي بانتفاء جميع أجزائه، وبانتفاء البعض، ولا حاجة إلى تقدير نفي الكمال؛ لأن التقدير إنما يكون عند تعذر صدق نفي الذات، إلا أن الحديث الذي أفاده قوله وفي رواية لابن حبان والدارقطني: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب" فيه دلالة على أن النفي متوجه إلى الإجزاء، وهو كالنفي للذات في المآل؛ لأن ما لا يجزئ فليس بصلاة شرعية.
والحديث دليل على وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة، ولا يدل على إيجابها في كلركعة، بل في الصلاة جملة، وفيه احتمال أنه في كل ركعة؛ لأن الركعة تسمى صلاة، وحديث المسيء صلاته قد دل على أن كل ركعة تسمى صلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم بعد أن علمه ما يفعله في ركعة: "وافعل ذلك في صلاتك كلها"، فدل على إيجابها في كل ركعة؛ لأنه أمره أن يقرأ فيها بفاتحة الكتاب [9].
وقال ابن المنذر رحمه الله: واختلفوا في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ"[10].
فقالت طائفة: إنما خوطب بذلك من صلى وحده، فأما من صلى وراء الإمام فليس عليه أن يقرأ، هذا قول سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وجماعة من أهل الكوفة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق